فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأوقات الصلوات الواجبة دخلت فيهما، فبقي قوله: ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار للنوافل، وقال أبو مسلم: لا يبعد حمل التسبيح على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات.
فإن قيل: النهار له طرفان، فكيف قال: وأطراف النهار، ولم يقل: طرفي النهار أجيب بوجهين أظهرهما: أنه إنما جمع لأنه يلزم في كل نهار ويعود، والثاني: أن أقل الجمع اثنان، وقرأ قوله تعالى: {لعلك ترضى} أبو بكر والكسائي بضم التاء أي: ترضى بما تنال من الثواب كقوله تعالى: {وكان عند ربه مرضيًا} مريم، وقرأ الباقون بفتحها أي: ترضى بما تنال من الشفاعة قال تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} الضحى، وقال تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]، والمعنى: على القراءتين لا يختلف؛ لأن الله تعالى إذا أرضاه، فقد رضيه، وإذا رضيه، فقد أرضاه، ولما كانت النفس ميالة إلى الدنيا مرهونة بالحاضر من فاني العطايا، وكان تخليها عن ذلك هو الموصل إلى حريتها المؤذن بعلو همتها قال تعالى مؤكدًا إيذانًا بصعوبة ذلك:
{ولا تمدن} مؤكدًا له بالنون الثقيلة {عينيك} أي: لا تطول نظرهما بعد النظرة الأولى المعفو عنها {إلى ما متعنا به} في هذه الحياة الفانية {أزواجًا} أي: أصنافًا {منهم} أي: الكفرة استحسانًا له وتمنيًا أن يكون لك مثله والإمتاع الإلذاذ بما يدرك من المناظر الحسنة، ويسمع من الأصوات المطربة ويشم من الروائح الطيبة وغير ذلك من الملابس والمناكح، وقوله تعالى:. أي: زينتها وبهجتها منصوب بمحذوف دل عليه متعنا، أو به على تضمنه معنى أعطينا، فأزواجًا مفعول أول، وزهرة هو الثاني، وذكر ابن عادل غير هذين الوجهين سبعة أوجه لا حاجة لنا بذكرها، ثم علل تعالى تمتعهم بقوله تعالى: {لنفتنهم فيه} أي: لنفعل بهم فعل المختبر، فيكون سبب عذابهم في الدنيا بالعيش الضنك لما مضى، وفي الآخرة بالعذاب الأليم، فصورته تغرّ من لم يتأمل معناه حق التأمل، فما أنت فيه خير مما هم فيه {ورزق ربك} في الجنة {خير} مما أوتوه في الدنيا {وأبقى} أي: أدوم أو ما رزقته من نعمة الإسلام والنبوّة، أو لأنّ أموالهم الغالب عليها الغصب والسرقة والحرمة من بعض الوجوه، والحلال خير وأبقى، قال الزمخشري: لأن الله تعالى لا ينسب إلى نفسه إلا ما حل وطاب دون ما حرم وخبث، والحرام لا يسمى زرقًا انتهى، وهذا جار على مذهبه المخالف لأهل السنة من أن الحرام لا يسمى زرقًا، وقال أبو مسلم الذي نهى عنه بقوله: ولا تمدَّن عينيك ليس هو النظر بل هو الأسف أي: لا تأسف على ما فاتك مما نالوه من حظ الدنيا، وقال أبو رافع: نزلت هذه الآية في ضيق نزل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى يهودي يبيع أو يستلف إلى مدة، فقال: والله لا أفعل إلا برهن، فأخبرته بقوله فقال صلى الله عليه وسلم «إني لأمين في السماء وإني لأمين في الأرض احمل إليه درعي الحديد» فنزل قوله: ولا تمدن عينيك، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، وقال أبو الدرداء: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له، وعن الحسن لولا حمق الناس لخربت الدنيا، وعن عيسى ابن مريم عليه السلام: لا تتخذوا الدنيا دارًا، فتتخذكم لها عبيدًا. ولما أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بتزكية النفس أمره بأن يأمر أهله بالصلاة بقوله عز وجل: {وأمر أهلك بالصلاة} أي: أمر أهل بيتك والتابعين لك من أمتك بالصلاة كما كان أبوك إسماعيل عليه السلام يدعوهم إلى كل خير إذ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم، ولا يهتموا بأمر المعيشة، ولا يلتفتوا لفت أرباب الثروة، وكان صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعلي رضي الله عنهما كل صباح ويقول: الصلاة {واصطبر} أي: داوم {عليها لا نسألك} أي: نكلفك {رزقًا} لنفسك ولا لغيرك {نحن نرزقك} وغيرك كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد إن يطعمون إن الله هو الرازق ذو القوة المتين} الذاريات.
ففرِّغ بالك لأمور الآخرة، وفي معناه قول الناس: من كان في عمل الله كان الله في عمله.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب أهله ضرٌّ أمرهم بالصلاة، وتلا هذه الآية، وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلطان قرأ: ولا تمدن عينيك الآية، ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله وعن بكر بن عبد الله المزني كان إذا أصاب أهله خصاصة قال: قوموا فصلوا بهذا أمر الله رسوله، ثم يتلو هذه الآية: {والعاقبة} أي: الجميلة المحمودة {للتقوى} أي: لأهل التقوى قال ابن عباس: الذين صدقوك واتبعوك واتقوني، ويؤيده قوله تعالى في موضع آخر: {والعاقبة للمتقين} الأعراف، ولا معونة على الرزق وغيره بشيء يوازي الصلاة، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أي بالباء الموحدة أي: إذا أحزنه فزع إلى الصلاة قال ثابت: وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى: تفرغ لعبادتي املأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلًا ولم أسد فقرك»، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من جعل الهموم همًا واحدًا هم المعاد كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به هموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك» وعن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة همه جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة» ثم إنه تعالى بعد هذه الوصية حكى عنهم شبهًا بقوله تعالى: {وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه} فكأنه من لوازم قوله تعالى: {فاصبر على مايقولون} وهو قولهم لولا أي: هلا يأتينا بآية، وقال في موضع آخر: لو ما تأتينا بآية كما أرسل الأوّلون، ثم أجاب الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {أولم تأتهم بينة} أي: بيان {ما في الصحف الأولى} من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية المشتمل عليه القرآن أنباء الأمم الماضية وإهلاكهم بتكذب الرسل فما يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآيات كحال أولئك، وقرأ نافع وأبوعمرو وحفص بالفوقية على التأنيث، والباقون بالتحتية على التذكير.
{ولو أنّا أهلكناهم} معاملة لهم في عصيانهم {بعذاب من قبله} أي: هذا القرآن المذكور في الآية الماضية وما قاربها، وفي قوله تعالى: {ولا تعجل بالقرآن} طه.
وفي مثنى السورة في: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} طه.
أو من قبل محمد صلى الله عليه وسلم {لقالوا} أي: يوم القيامة {ربنا} يا من هو متصف بالإحسان إلينا {لولا} أي: هلا ولم لا {أرسلت إلينا رسولًا} يأمرنا بطاعتك {فنتبع} أي: فيتسبب عنه أن نتبع آياتك التي تنجينا بها {من قبل أن نذل} بالعذاب هذا الذل {ونخزى} بالمعاصي التي عملناها على جهل، فلأجل ذاك أرسلناك إليهم، وأقمنا بك الحجة عليهم، ولما علم بهذا أنّ إيمانهم كالممتنع، وجدالهم لا ينقطع بل إن جاءهم الهدى طعنوا فيه، وإن عذبوا قبله تظلموا كان كأنه قيل: فما الذي أفعل معهم؟ فقيل:
{قل} لهم {كل} أي: كل مني ومنكم {متربص} أي: منتظر ما يؤول إليه أمري وأمركم {فتربصوا} فأنتم كالبهائم ليس لكم تأمل {فستعلمون} أي: عما قريب بوعد لا خلف فيه، وهو يوم القيامة {من أصحاب الصراط} أي: الطريق {السويّ} أي: المستقيم {ومن اهتدى} أي: من الضلال، فحصل على جميع ما ينفعه واجتنب جميع ما يضره أنحن أم أنتم؟ قال ابن عادل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأمّة ينزل عليها هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا»، وعن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقرأ أهل الجنة من القرآن إلا يس وطه» انتهى، ولم يذكر لذلك سندًا، وأما ما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ طه أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار» فحديث موضوع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}.
الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدّر، كما مرّ غير مرّة، والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها وفاعل يهد هو الجملة المذكورة بعدها، والمفعول محذوف، وأنكر البصريون مثل هذا لأن الجمل لا تقع فاعلًا، وجوّزه غيرهم.
قال القفال: جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينًا لهم.
قال النحاس: وهذا خطأ؛ لأن {كم} استفهام، فلا يعمل فيها ما قبلها.
وقال الزجاج: المعنى: أو لم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكناه، وحقيقته تدل على الهدى، فالفاعل هو الهدى، وقال: {كَمْ} في موضع نصب ب {أهلكنا}.
وقيل: إن فاعل {يهد} ضمير للّه أو للرسول، والجملة بعده تفسره، ومعنى الآية على ما هو الظاهر: أفلم يتبين لأهل مكة خبر من {أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون} حال كون القرون {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} ويتقلبون في ديارهم، أو حال كون هؤلاء يمشون من مساكن القرون الذين أهلكناهم عند خروجهم للتجارة وطلب المعيشة، فيرون بلاد الأمم الماضية، والقرون الخالية خاوية خاربة من أصحاب الحجر وثمود وقرى قوم لوط، فإن ذلك مما يوجب اعتبارهم، لئلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك، وقرأ ابن عباس والسلمي: {نهد} بالنون، والمعنى على هذه القراءة واضح، وجملة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأوْلِي النهى} تعليل للإنكار وتقرير للهداية، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى مضمون {كم أهلكنا} إلى آخره.
والنهى: جمع نهية، وهي العقل، أي لذوي العقول التي تنهى أربابها عن القبيح.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} أي ولولا الكلمة السابقة، وهي وعد الله سبحانه بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الدار الآخرة {لَكَانَ} عقاب ذنوبهم {إلزامًا} أي لازمًا لهم، لا ينفك عنهم بحال ولا يتأخر.
وقوله: {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} معطوف على {كلمة} قاله الزجاج وغيره؛ والأجل المسمى هو: يوم القيامة، أو يوم بدر، واللزام مصدر لازم.
قيل: ويجوز عطف {وأجل مسمى} على الضمير المستتر في كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق؛ تنزيلًا للفصل بالخبر منزلة التأكيد، أي لكان الأخذ العاجل {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، وفيه تعسف ظاهر.
ثم لما بين الله سبحانه أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أمره بالصبر، فقال: {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} من أنك ساحر كذاب، ونحو ذلك أن مطاعنهم الباطلة، والمعنى: لا تحتفل بهم، فإن لعذابهم وقتًا مضروبًا لا يتقدّم ولا يتأخر.
وقيل: هذا منسوخ بآية القتال {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} أي متلبسًا بحمده.
قال أكثر المفسرين: والمراد: الصلوات الخمس كما يفيد قوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} فإنه إشارة إلى صلاة الفجر {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} فإنه إشارة إلى صلاة العصر {وَمِنْ ءَانَاء اليل} العتمة، والمراد بالآناء: الساعات، وهي جمع إني بالكسر والقصر، وهو الساعة، ومعنى {فَسَبّحْ} أي فصلّ {وَأَطْرَافَ النهار} أي المغرب والظهر لأن الظهر في آخر طرف النهار الأول، وأوّل طرف النهار الآخر.
وقيل: إن الإشارة إلى صلاة الظهر هي بقوله: {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} لأنها هي وصلاة العصر قبل غروب الشمس.
وقيل: المراد بالآية صلاة التطوّع.
ولو قيل ليس في الآية إشارة إلى الصلاة بل المراد التسبيح في هذه الأوقات أي: قول القائل سبحان الله، لم يكن ذلك بعيدًا من الصواب.
والتسبيح وإن كان يطلق على الصلاة ولكنه مجاز، والحقيقة أولى إلا لقرينة تصرف ذلك إلى المعنى المجازي، وجملة: {لَعَلَّكَ ترضى} متعلقة بقوله: {فسبح} أي سبح في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله سبحانه ما ترضى به نفسك، هذا على قراءة الجمهور.
وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم: {ترضى} بضم التاء مبنيًا للمفعول، أي يرتضيك ربك.
{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مّنْهُمْ} قد تقدّم تفسير هذه الآية في الحجر.
والمعنى: لا تطل نظر عينيك، و{أزواجًا} مفعول {متعنا}.
و. منصوبة على الحال، أو بفعل محذوف، أي جعلنا أو أعطينا، ذكر معنى هذا الزجاج.
وقيل: هي بدل من الهاء في: {به} باعتبار محله، وهو النصب لا باعتبار لفظه، فإنه مجرور كما تقول: مررت به أخاك.
ورجح الفراء النصب على الحال، يجوز أن تكون بدلًا، ويجوز أن تكون منتصبة على المصدر مثل صبغة الله ووعد الله و{زَهْرَةَ الحياة الدنيا}: زينتها وبهجتها بالنبات وغيره.
وقرأ عيسى بن عمر: {زهرة} بفتح الهاء، وهي نور النبات، واللام في: {لِنَفْتِنَهُمْ فيه} متعلق ب {متعنا} أي لنجعل ذلك فتنة لهم وضلالة، ابتلاءً منا لهم، كقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف: 7] وقيل: لنعذبنهم.
وقيل: لنشدد عليهم في التكليف {وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وأبقى} أي ثواب الله، وما ادّخر لصالح عباده في الآخرة خير مما رزقهم في الدنيا على كل حال، وأيضًا فإن ذلك لا ينقطع، وهذا ينقطع، وهو معنى {وأبقى}.
وقيل: المراد بهذا الرزق: ما يفتح الله على المؤمنين من الغنائم ونحوها، والأوّل أولى؛ لأن الخيرية المحققة والدوام الذي لا ينقطع إنما يتحققان في الرزق الأخروي لا الدنيوي، وإن كان حلالًا طيبًا: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96].
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة} أمره الله سبحانه بأن يأمر أهله بالصلاة.
والمراد بهم: أهل بيته.
وقيل: جميع أمته، ولم يذكر ها هنا الأمر من الله له بالصلاة، بل قصر الأمر على أهله، إما لكون إقامته لها أمرًا معلومًا، أو لكون أمره بها قد تقدّم في قوله: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} إلى آخر الآية، أو لكون أمره بالأمر لأهله أمرًا له، ولهذا قال: {واصطبر عَلَيْهَا} أي اصبر على الصلاة، ولا تشتغل عنها بشيء من أمور الدنيا {لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا} أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك، وتشتغل بذلك عن الصلاة {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} ونرزقهم ولا نكلفك ذلك {والعاقبة للتقوى} أي العاقبة المحمودة، وهي الجنة لأهل التقوى على حذف المضاف كما قال الأخفش.
وفيه دليل على أن التقوى هي ملاك الأمر وعليها تدور دوائر الخير.
{وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِئَايَةٍ مّن رَّبّهِ} أي قال كفار مكة: هلا يأتينا محمد بآية من آيات ربه كما كان يأتي بها من قبله من الأنبياء؟ وذلك كالناقة والعصا، أو هلا يأتينا بآية من الآيات التي قد اقترحناها عليه؟ فأجاب الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله: {أَوَ لَمْ يَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصحف الاولى} يريد بالصحف الأولى: التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة، وفيها التصريح بنبوّته والتبشير به، وذلك يكفي، فإن هذه الكتب المنزلة هم معترفون بصدقها وصحتها، وفيها ما يدفع إنكارهم لنبوّته، ويبطل تعنتاتهم وتعسفاتهم.
وقيل: المعنى: أو لم يأتهم إهلاكنا للأمم الذين كفروا واقترحوا الآيات، فما يؤمنهم إن أتتهم الآيات التي اقترحوها أن يكون حالهم كحالهم.
وقيل: المراد: أو لم تأتهم آية هي أمّ الآيات وأعظمها في باب الإعجاز يعني القرآن، فإنه برهان: لما في سائر الكتب المنزلة.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو ويعقوب وابن أبي إسحاق وحفص: {أو لم تأتهم} بالتاء الفوقية، وقرأ الباقون بالتحتية؛ لأن معنى البينة: البيان والبرهان، فذكروا الفعل اعتبارًا بمعنى البينة، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم.
قال الكسائي: ويجوز: {بينة} بالتنوين.
قال النحاس: إذا نوّنت بينة ورفعت جعلت {ما} بدلًا منها، وإذا نصبت فعلى الحال.